بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على خاتم المرسلين و بعد :
إليكم وصية الشيخ محمد المختار الشنقيطي حفظه الله في مقدمه شرحه لكتاب العمدة في الفقه الحنبلي لتلاميذه .. فكان - مما - قال :
(..مما يُوصى به طالبُ العلم في بداية قراءة هذا العلم المبارك، أن هذا العلم يحتاج إلى تعب وعناء ، وهو أعظم العلوم بعد علم العقيدة الذي هو أساس الدين ، فعلم الحلال والحـرام يزداد به العبد إيماناً بالله وثقةً بالله ، وهذا يستلزم منه أن يضبط هذا العلم ، فإن الأحكام تبليغ عن الله ، وليعلم كل إنسان أن أي مسألةٍ فقهيـة وأي مسألةٍ شرعية إذا أراد أن يتكلم فيها فلعلم أنه يتكلم عن الله ورسوله ، فيكون على بينة وأنه سيُوقف بين يدي الله ويُسأل عن هذا الأمر الذي أفتى به في دين الله وشرع الله ، وهذا ما عناه الإمام عبدالله بن مسعود حينما كان يقول : حق على من أفتى أن يقيم نفسه بين الجنة والنار فينظر منـزلته فيهما ، يعني منـزلته إن أصاب وقال بالكتاب والسُّنة ومنـزلته إذا أخطأ فقال على الله بدون علم-نسأل الله السلامة والعافية- فالحلال والحرام أمرٌ عظيم ، جثى العلماء على الركب ورجفت قلوبهم من الله-جل وعلا- خشيةً وهيبةً لمسألة من المسائل ونازلة من النوازل .
فمن أراد أن يطلب الفقه فليعظمه وليخف من الله حتى كان السبعون من أئمة الصحابة يطوف السائل عليهم فيرجع إلى أولهم كل واحدٍ منهم يود أن أخاه قد كفاه المؤنة والفتوى ، فحري بطالب العلم وهو يبتدئ طلب هذا العلم أن يستشعر عظمة هذا العلم ، عظمته بالخـوف –كما ذكرنا- والرجاء ، فإنك لو أفتيت بالمسألة فسمعها السائل نفست كربه ، وما أعظـم الكرب إذا كان من الدين ، فتنفس كربه بإذن الله .
ثانياً : لن تقول قولاً بحكم الله فيعمل به أحد إلا كان لك مثل أجره ، فإن علمه الغير أو دعا إليه الغير كان في ميزان حسناتك .
فهذه الفضائل والعطايا والنوائل لاتكون إلا للمجدين المثابرين الحريصين على ضبط شرع رب العالمين ، ولذلك ما وجـدنا أحداً من أئمة السلف ودواوين العلم-رحمهم الله- تعب وجد ونصب في طلب العلم وضبطه خاصة الفقـه إلا سطـع نوره وأشرق ضياؤه على النـاس فانتفعت به الأمة ووضع الله له قدم الصدق وحسن الثناء والثقـة بقوله والثقـة بفتواه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ....)
( ....وكان الصحابة يحفظون حق الفقهاء ويحفظون حق العلماء الضابطين لهذا العلم حتى إن عمر بن الخطاب لما أتاه أهل الكوفة يسألونه عن مسألة من المسائل ، قال :
أتسألونني وفيكم صاحب السُّوادين والنعلين ، يعني عبـدالله بن مسعود ، أتسألونني وعندكم هذا العالم الجليل الذي كان صاحب السوادين والنعلـين ، كان صاحب سر رسول الله ونجواه ، ويحمل حذاء رسول الله فشهد له أنه من أقرب الناس إلى رسول الله ، ولما رأه علي بن أبي طالب قال : كُنيفٌ ملئ علماً.
فكان الصحابة يحفظون للفقهاء حقهم وقدرهم ، لايسخرون منهم ، ولاينتقصونهم ، ولايستهجنون آراءهم ، وإنما يجعلون آراءهم في مكانها وأقوالهم في منـزلتها إذا بُنيت على كتاب الله وسنة رسول الله ، وهذا هو هدي السلف الصالح ، لأن تعظيم الفقه تعظيم لشعائر الله ، ومن سد ثغور الأمة أمة محمد في علم الحلال والحرام فخليقٌ أن يدعى له بخير ، فطالب العلم يستشعر فضل هذا العلم قبل أن يأخذه وقبل أن يتعلمه ....)
(..كذلك - أيضاً - مما ينبغي أن يُوصى به طالب العلم في قراءته لهذا العلم وفي كل علم أن يحرص على اتباع الكتاب والسُّنة فإنه لافقه إلا بكتاب الله وسنة النبي ، ولذلك بين الله-تبارك وتعالى- أنه هو الذي يفتح وهو الذي يهب العلم كما قال في قصة داود وسليمان : { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} فقال : { فَفَهَّمْنَاهَا } فالله وحـده هو الذي يفهم وهو الذي يُعلم ، فثق ثقةً تامة أنه لافقه إلا بنور الكتاب والسُّنة ، والفقه الذي يبنى على كتاب الله وسنة النبي فقه مبارك ، لأن الله شهد لكتابه بالبركة ، فمن تعلم علم الفقه من كتاب الله وسنة النبي فإنه حري أن يُباركَ له في فقهه وعلمه ...)
اسأل الله أن يمن علينا بشرف حمل هذا العلم المبارك و التوفيق في تبلغيه و بيانه فإن للفقه لذه من ذاقها طاب عيشه في كنفها و الله المستعان ..